اعتاد إخواننا في المنطقة التي نعيش فيها منذ سنوات تنظيم دوراتٍ في كرة القدم، على أن يقوم كل فريق مُشتَرِك في الدورة بدفع جزء من المال، ويقوم منظِّمو الدورة في نهاية الدورة بعمل قُرعة لإعادة المقابل الذي دفعه أحد الفِرَق المشتركة، وهم يذكرون أنهم يفعلون ذلك للهرَب من شبهة القمار، وباقي الأموال يتم بها شراء جائزة للفريق الفائز بالدورة، فهل هذا الفعلُ جائزٌ شرعًا؟ أفيدونا أفادكم الله.
الإجابة للمفتي: الدكتور رجب أبو مليح- دكتوراه في الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
مسألة المسابقات الرياضية أو الثقافية أو غيرها عن طريق دفع اشتراكٍ مَاليٍّ من كل الأطراف للإنفاق منه على هذه المسابقات، وتخصيص جائزة للفريق الفائز.. من المسائل التي اختلف حولها العلماءُ قديمًا وحديثًا.
فذهب جمهورُ الفقهاء إلى عدم الجواز، ودليلهم حديث النبي- صلى الله عليه وسلم-: "لا سَبْقَ إلاَّ في خُفٍّ أَو نَصْلٍ أَو حَافِرٍ"، و"السَّبْقُ" بفتح الباء: الجائزة.
وقد استحسن الفقهاءُ أن تكون هذه الجائزة من الدولة، أو من هيئةٍ، أو شخصٍ غير المُتسابقين، فإن كان من بعض المتسابقين دون بعضٍ جَازَ ذلك، لكن إذا كانت الجائزة من جميع المتسابقين فإن جمهور الفقهاء يرون مَنْعَ ذلك، إلا إذا دخل بينهم ما يُسمُّونَه بالمُحَلِّل، وهو شخصٌ، أو نَادٍ لا يَدفع شيئًا، وإذا رَبح أَخَذَ الجائزةَ، وإذا خَسِرَ لم يَخسَر شيئًا؛ محاولةً من هؤلاء الفقهاء لِتَجَنُّب شُبهة القمار.
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله- ذَهَبَا إلى جواز ذلك، وأنكَرَا فكرةَ المُحَلِّل هذه؛ لأنه شخصٌ أو نادٍ مثلاً يأخذُ إذا رَبح، ولا يَخْسَرُ شيئًا إذا خَسِرَ، وقالا: "إن هذا ظلمٌ لا تأتي الشريعة الإسلامية بمثله؛ لأن من قواعد الشريعة الإسلامية أن الغُنْمَ بالغُرْمِ، والغُرْمَ بالغُنْمِ، فمَن يتحمَّلُ عبء الخسارة عند التأخر يجب أن يحصل على الجائزة عند السَّبْقِ والتفوقِ، ومَن لا يتحمَّلُ في الخسارة لا يحصل على شيءٍ من المكافأة".
وأنا أَمِيلُ إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم- رحمهما الله- وأرى أنه لا مانع من إخراج كل نادٍ مبلغًا من المال يتساوى مع ما يخرجه الآخرون، ومَن فاز في النهاية أَخَذَ الجائزة، ما دَامَ الغَرَض من ذلك كله تقوية المؤمن بدنيًّا ونفسيًّا وعلميًّا وأخلاقيًّا، وهكذا يمكن أن يُقَالَ في المسابقات العلمية والثقافية والرياضية الأخرى، والله أعلم