وطني...
كم أحبك....
أحب ترابك وأحب جدرانك... أحب أهلك وأحب أبناءك... أحب السماء والهواء والزرع والشجر... أحب النهر والجبل والسفح والوادي..
وطني... وكل ما فيك جميل... وما أنا إلا ذاك المتيم بما فيك..
أيحق لي يا وطني أن أعتب عليك... !!.. ولإن فتحت قلبي وتركت له العنان لخرجت الزفرات والزفرات.. لأيام قاسية فيك... أقسى من الصخر الصلد.. ولإن تركت الصور ترسم خطوطها لارتسمت آلاف اللوحات... حمراء كالدم النازف وسوداء كحلكة الظلام والظلم... ..
ولإن تركت الأصوات تنبعث لخرجت مع زفراتي صرخات ونداءات تتردد من الألم والجروح... ولإن ذكرت ما رأيت أو سمعت أو عرفت لملأت صفحات وصفحات ولتكلمت أياما وسنين...
لكنني لا أجدك إلا مثلي... قد عانيت معي ومع أبنائك وبكيت مع عيني وعين إخوتي وصرخت ألما مع الجروح النازفة وبكيت حزنا على القاوب المتعبة وتألمت مثلي...للأرواح التي غادرت أجمل وطن وهي لا تفتأ ترفع الصوت ولا تقبل السكوت.. لتقول والموت نصب العيون.. أحد أحد... أحد أحد...
هل لي أن أعاتبك... وكيف أعاتبك وعلى ثراك مشى الأنبياء وفي ظلال أشجارك اتكأ العمالقة ومن هوائك ارتوت صدور الأبطال
كيف أعاتبك وقد جرت أقدامي على طرقاتك وتغلغل النسيم في أعماق رئتي يحمل عبق أزهارك وتأصلت جذوري فيك حتى امتزجت في أعماق أرضك..
كيف أعاتبك وقد ارتشفت جذوري من حبات التراب تلك دماء الشهادة وبقايا أجساد الأجداد .. وما أظن أرضك إلا تلك الأجساد ...
وطني... وقد جعل الله فراق الديار أشد من الموت... وجعل الدفاع عنك جزءا من الشهادة.. وجعل الإسلام والرباط في سبيله جزءا من تاريخك إلى يوم القيامة..
هل أعاتبك أم تعاتبني...
ولإن عاتبتني لحق لك العتاب... وأين أختبئ منك ومن تقصيري ... تقصيري بحقك وتقصيري في واجبي من أجلك وأجل أبنائك.. إخوتي وأبنائي..
وطني... عبثت بك أيدي الفاسدين.. وتسلطت عليك شهوات المجرمين... وفي كل وطن بعض منهم.. وما تطاولوا إلى لتقصيرنا.. وما نالوا منك إلا لتقاعسنا...
بكيتَ يا وطني.. فرأيت دموعك.. رأيتها في مقلة طفل فقير نظر حوله يبجث عن كسرة خبز في وطن كريم معطاء .. فوجدك تبكي ولا تملك ما تعطيه له .. فقد سرق المجرمون ما عندك ولم يتركوا لك إلا الدموع..
رأيت دموعك في مقلة أم ثكلي ترفع يدها طالبة الثأر من رب السماء لولد حبيب عمر مساجدك فنالته يد الإثم والظلم فغاب في حفرة لا يعلم فيها مصيره إلا الله..
رأيت دموعك على وجنات أخ حبيب عاش مرضا عضالا فلم يجد الدواء... فقد سرق المجرمون كل ما عندك من كنوز ومنعوك من صرف أقل القليل لمرض أبنائك..
رأيت دموعك في وقفة عزيزة شامخة لمعلم كريم عزيز.. علم أبناءه أن الخير هو حب الوطن.. وأننا نعطي ولا ننتظر العطاء ولا نستجديه.. نعطي الوطن وأبناءه ، إخوتنا وأبناءنا.. ونحن نعلم أننا قد لا نجد من هؤلاء الأبناء أي مقابل لأن الظالمين قد سرقوا منك ومنهم كل ما فيك فلم يعد في جعبتك وجعبتهم إلا الدموع تقدمها لنا وليتنا نكون أهلا لدموعك...
وطني الحبيب...
سأمرض ، وأنا أعلم أن الحياة والموت بيد الله... فهو المحي المميت.. ولن أموت من مرض ولا شدة..
سأمرض وسأبقى أحبك حتى لو منعني المجرمون فيك من الدواء..
سأجوع وأنا أعلم أن الله هو الرزاق وهو المغني الوهاب... وسأبقى أحبك حتى لو منع عني المجرمون فيك كسرة الخبز..
سأرى أحبتي يموتون ويُظلمون وليس لي ولهم إلا الله... وأنا أعلم أنك تبكي .. أن كل حبة رمل فيك تبكي... تبكي وتئن من الألم .. من تلك الأقدام المجرمة التي تطأ تراب أجساد الآباء والأجداد العظام..
وسيبقى حبك يا وطني متملكا كل قلبي...
ستبقى أجمل الصور وأحلى الأنسام وأجمل الزغاريد وأطهر الوجوه... ستبقى ذرات ترابك وصخور جبالك وأوراق أشجارك وقطرات مائك.. ستبقى أكبر وأعلى من ظلم الظالمين وتسلط المجرمين...
وسيأتي اليوم يا وطني... اليوم الذي ستعود فيه للابتسام.. ويعود فيه أبناؤك.. أبنائي وأحفادي وأبناء إخوتي وأحفادهم للابتسام والضحك... سيسير أحدهم فوق جسدي.. فما جسدي إلا حبات ترابك سيسير ذاهبا للمسجد برأس مرفوع ونفس عزيزة..
عندها يا وطني.. سأبكي مع ذرات ترابك... سأبكي فرحا بابتسامتك وابتسامة أبنائي...
وسأحمد الله على أنني كنت... ومازلت.... أحبك....